المحامية موزه الشحي تكتب: العقود الصورية من الناحية القانونية
بقلم: المحامية موزه الشحي
العقود تُعد الوسيلة الأساسية لتنظيم العلاقات القانونية بين الأفراد والمؤسسات، وهي تُنشأ بناءً على مبدأ التراضي والالتزام. ومع ذلك، قد يلجأ بعض الأطراف إلى إنشاء عقود صورية تهدف إلى إخفاء الحقيقة أو التحايل على القانون. في سلطنة عمان، ينظم القانون المدني التعامل مع العقود، بما في ذلك العقود الصورية، لتجنب أي استغلال أو أضرار قد تنجم عنها. يناقش هذا المقال العقود الصورية من الناحية القانونية في سلطنة عمان، من حيث التعريف، الأحكام القانونية، الآثار، وطرق الإثبات.
أولاً: تعريف العقود الصورية
العقد الصوري هو اتفاق ظاهري بين الأطراف يهدف إلى إظهار شيء مغاير للحقيقة. بمعنى آخر، يقوم الأطراف بإبرام عقد يُظهر نية معينة، بينما النية الحقيقية تختلف عما هو مُثبت في العقد.
• الصورية المطلقة: حين يتم الاتفاق على عقد ظاهري فقط دون وجود نية حقيقية للتنفيذ.
• الصورية النسبية: عندما يكون هناك عقد حقيقي مخفي خلف العقد الظاهري.
ثانيًا: التنظيم القانوني للعقود الصورية في سلطنة عمان
1. القانون المدني العماني
القانون المدني العماني (القانون رقم 29/2013) هو الإطار القانوني الذي ينظم العقود، بما في ذلك العقود الصورية.
• تنص المادة (135) على أن “العقد شريعة المتعاقدين”، مما يُلزم الأطراف بتنفيذ العقود بما يتفق مع القانون وحسن النية.
• إذا تبيّن أن العقد تمّ بغرض التحايل أو الصورية، يمكن للمحكمة إبطاله أو الاعتداد بالعقد الحقيقي، إذا كان مستترًا.
2. مبدأ حسن النية
يعتمد القانون المدني على مبدأ حسن النية في العقود، مما يجعل الصورية مخالفة لهذا المبدأ إذا كانت تهدف إلى الإضرار بحقوق الغير أو التهرب من الالتزامات القانونية.
3. بطلان العقود الصورية
وفقًا للقانون، يُعتبر العقد الصوري باطلًا إذا كان يهدف إلى:
• التحايل على القانون.
• الإضرار بحقوق الدائنين أو الغير.
• تحقيق غرض غير مشروع.
ثالثًا: الآثار القانونية للعقود الصورية
1. إبطال العقد الصوري
إذا أثبتت المحكمة أن العقد صوري، يتم إبطاله، ويُعاد الأطراف إلى الوضع الذي كانوا عليه قبل العقد.
2. الاعتراف بالعقد الحقيقي
في حالة الصورية النسبية، إذا كان هناك عقد حقيقي مخفي خلف العقد الظاهري، يمكن للمحكمة أن تُقرّ هذا العقد الحقيقي.
3. حماية حقوق الغير
العقود الصورية التي تؤثر على حقوق الغير (مثل الدائنين أو الورثة) يتم إلغاؤها لحماية حقوق المتضررين.
4. عدم الاعتداد بالعقد الظاهري
العقد الظاهري لا يُعتبر ملزمًا قانونيًا إذا أثبتت المحكمة أنه صوري، ولا يمكن الاحتجاج به أمام الجهات القضائية.
رابعًا: إثبات الصورية في المحاكم العمانية
الصورية يمكن إثباتها أمام المحاكم العمانية باستخدام الوسائل التالية:
1. الأدلة الكتابية: مثل الوثائق أو العقود الأخرى التي تُظهر الحقيقة.
2. شهادة الشهود: حيث يُسمح للطرف المتضرر بإحضار شهود لإثبات نية الأطراف.
3. القرائن القانونية: تعتمد المحكمة على الملابسات والظروف المحيطة بالعقد لاستنتاج نية الأطراف.
4. الإقرار: إذا اعترف أحد الأطراف بالصورية، يُعتبر ذلك دليلاً قانونيًا كافيًا.
خامسًا: التطبيقات العملية للعقود الصورية في سلطنة عمان
1. التهرب الضريبي
قد يتم استخدام العقود الصورية للتهرب من الضرائب أو الرسوم الحكومية. في هذه الحالة، تُبطل المحاكم هذه العقود وتفرض الغرامات المناسبة.
2. إخفاء الملكية
يُلجأ إلى العقود الصورية لإخفاء الملكية الحقيقية للأموال أو العقارات، خصوصًا في النزاعات العائلية أو التجارية.
3. الإضرار بالدائنين
يلجأ بعض المدينين إلى استخدام العقود الصورية لنقل أصولهم إلى الغير بهدف التهرب من سداد الديون. القانون يحمي الدائنين من خلال إلغاء هذه العقود.
سادسًا: موقف القضاء العماني من العقود الصورية
القضاء العماني يعتمد على القوانين العامة والمبادئ القضائية في التعامل مع العقود الصورية.
• البطلان الجزئي أو الكلي: المحكمة قد تُبطل العقد كليًا إذا كان صوريًا مطلقًا، أو تُقرّ العقد الحقيقي إذا كان صوريًا نسبيًا.
• العدالة وحسن النية: يهدف القضاء إلى تحقيق العدالة بين الأطراف وحماية حقوق الغير المتضرر.
الخاتمة
العقود الصورية تمثل تحديًا قانونيًا وأخلاقيًا في النظام القانوني العماني. على الرغم من أنها قد تُستخدم لتحقيق مصالح معينة، إلا أن القانون المدني العماني يُبطلها إذا كانت تخالف أحكام القانون أو تمس بحقوق الغير. القضاء العماني يلعب دورًا محوريًا في إثبات الصورية وحماية الحقوق، مما يعزز من سيادة القانون ومبدأ حسن النية في التعاملات.
توصيات:
• تعزيز التوعية القانونية بين الأفراد والشركات حول مخاطر العقود الصورية.
• تطبيق عقوبات أكثر صرامة على استخدام العقود الصورية للتحايل على القانون.
• تطوير وسائل إثبات أكثر فعالية لضمان العدالة في النزاعات المتعلقة بالعقود الصورية.
احسنتي