صحيفة السبلة

منتدى وصحيفة السبلة العُمانية الموقع العُماني في سلطنة عمان

مكفوفون: التقنيات الحديثة أعيننا المبصر

تشكل الإعاقة البصرية تحديا كبيرا للإنسان، لكنها مع ذلك لا تشكل حاجزا أمام طموحه وتطلعاته في حال تسلحه بالإيمان والعزم والتصميم والإرادة.

وحقق مكفوفون نجاحهم الدراسي والاجتماعي، متسلحين ببصيرتهم ومستندين على عزائمهم في بناء أنفسهم وصناعة مستقبلهم، وكان للتقنيات الحديثة دور أساسي في تسهيل أمور كثيرة.

ووجهوا رسالة إلى المكفوفين الصغار بأهمية استبدال الإعاقة بالنجاح والتفوق وضرورة تجاوز الإعاقة وعدم الاستسلام وتحقيق الأهداف، وحثوا أهالي المكفوفين على أهمية مساندتهم لتحقيق طموحاتهم والوصول إلى سلم النجاح.

إرادة وعزيمة

قال الدكتور سالم بن محمد الرواحي -محامي ومستشار قانوني ومدرب معتمد-: لا تعد الإعاقة البصرية حاجزا أو عائقا لأي هدف أو نجاح يريد الإنسان المعوق بصريا الوصول إليه، فبالإرادة والعزيمة بعد التوكل على الله عز وجل ثم بفضل وجود الأجهزة الرقمية المختلفة والبرامج الذكية يستطيع الوصول إلى الهدف الذي ينشده”، مؤكدا على دور العامل النفسي والدافع المعنوي الذي يعد من أبرز عوامل النجاح لكل إنسان، وتحرص سلطنة عمان منذ بواكير النهضة المباركة بقيادة المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله وطيب ثراه – على دعم ومساندة الأشخاص ذوي الإعاقة بصفة عامة والبصرية بصفة خاصة وتضع جل اهتماماتها للأخذ بأيديهم وتحفيزهم وتشجيعهم للخروج من الانكفاء على الذات والانعزال عن الناس والانغلاق عن المجتمع بتسخير كافة الإمكانات المادية والمعنوية لتعزيز قدرات هؤلاء الأشخاص من خلال توفير فرص التعليم والتدريب والتأهيل ووسائل الترفيه بإيفاد مجموعات من المعوقين بصريا للدراسة إلى بعض الدول العربية الشقيقة كالبحرين والسعودية والكويت ومصر وغيرها، ثم قامت بإنشاء معهد عمر بن الخطاب للمكفوفين الذي يضم أكثر من 180 طالبا وطالبة من ذوي الإعاقة البصرية بمختلف الصفوف التعليمية بدءا من الفصول التمهيدية وحتى الثاني عشر فضلا عن وجود عدد من المكفوفين الدارسين في مراحل جامعية مختلفة داخل وخارج السلطنة ولدى السلطنة نماذج من هؤلاء المجتهدين والمكافحين الذين حققوا نجاحات متميزة بفضل الدعم النفسي والمعنوي”.

التقنيات الحديثة

وأضاف الرواحي” لا يخلو أي عمل في بادئ الأمر من مواجهة بعض التحديات وصعوبات، فبالإصرار والإرادة والعزيمة والأخذ بالأسباب بعد الاستعانة بالله تسهل الأمور وتتحقق آمالك وطموحاتك، وبالنسبة لي واجهت العديد من الصعوبات واعترضتني الكثير من العقبات والتحديات، ولكن بفضل الله وحده استطعت التغلب عليها بالإرادة الصادقة والاقتناع بالهدف والاعتماد على النفس وعدم الاتكالية المطلقة، وكانت البرامج وتقنية الاتصال الحديث من أهم الوسائل المساعدة لتذليل تلك الصعوبات والمعوقات ولا أنسى فضل الأسرة والأصدقاء والمشاركة الجماعية في لعب هذا الدور الكبير.

ووجه الدكتور سالم رسالة للمكفوفين الصغار وقال” إن الجد والاجتهاد أساس كل نجاح، والاعتماد على النفس بعد التوكل على الله، وعدم الالتفات للآراء المحبطة، وعدم الاتكالية من أهم الأسس والثوابت التي يجب على صغار المكفوفين الارتكاز عليها، فاليوم إمكانيات الوصول متاحة أكثر من أي وقت مضى، والأجهزة والبرامج الرقمية والذكاء الاصطناعي هي دابة الكفيف التي يركبها ليصل بها إلى أي مكان يريده ومشوار ألف ميل يبدأ بخطوة “.

البيئة المحيطة

من جهته قال سامح بن سلمان التويجري – معلم تربية خاصة بمعهد عمر بن الخطاب للمكفوفين التابع لوزارة التربية والتعليم – وعضو مجلس إدارة جمعية النور للمكفوفين في محافظة مسقط ” إن الإعاقة البصرية لا تعد حاجزا لتحقيق الطموحات، ولكن يرجع ذلك إلى الشخص المعوق بصريا والبيئة المحيطة به”.

موضحا أنه واجه تحديات، حيث كان التعليم المدرسي غير متاح للمكفوفين في سلطنة عمان عام 1996-1997م، ومعظم المكفوفين ابتعثوا إلى الدول المجاورة في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية، وعندما ابتعثت خارج السلطنة شكل الموضوع عائقا وتحديا لي بسبب بعدي عن الأهل.

وأوضح أنه في الوقت الحالي أصبح مجال التعليم المدرسي مفتوحا وأيضا بعض التخصصات الجامعية والأمور تيسرت، وتم توفير أجهزة تسهل العملية التعليمية والمجال العملي من خلال جمعية النور للمكفوفين وبالتعاون مع الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية”.

فرص كثيرة

قالت نضال بنت سعيد العدوية – ضعيفة البصر “ضعف بصر حاد” – طالبة في جامعة السلطان قابوس ” إن الامتنان من أعظم وسائل التيسير لمجريات الحياة التي نحن عليها، والإعاقة قدمت لي الكثير من الفرص التي لا يسعني حصرها بل أثق تماما أنني لن أجد تلك الفرص لو كنت إنسانا سويا، الإعاقة لم تكن بالنسبة لي عائقا بل كانت منبرا لتصل رسالتي لعامة الناس ومنارة يجب أن تكون مضيئة، الإعاقة تعتمد على صاحبها فهي سبيل لا وجهة لها ونحن ذوو القيادة لوجهتنا، وقدمت سلطنة عمان جهودا حثيثة للأشخاص ذوي الإعاقة”.

وأضافت العدوية” لديّ اهتمامات كثيرة في المجال الفني والإبداعي، لقد قدمت حلقة تدريبية للمشغولات اليدوية لزميلاتي من ذوي الإعاقة البصرية، وأتيحت الفرصة لي لتعلم الرسم الدقيق كالبورتريه باستخدام جهاز التكبير ليعينني على الرؤية بصورة أفضل، وشاركت في تقديم عدة محافل، استطيع القول أنني خضت تجارب متنوعة، فساهمت هذه التجارب في صقل الكثير من جوانب الحياة، وتعلمت الكثير من خلالها ولاسيما أدركت أن الإعاقة ليست معيقا مثل ما يراها الآخرون ، أصبحت التكنولوجيا والتقنيات المساعدة تساهم في حل الكثير من الإشكاليات لذوي الإعاقة كما أنها تضمن له نوعا من الاستقلالية في إدارة شؤون حياته، فنجد الكثيرين من ذوي الإعاقة حققوا مرادا يقف أمامه الشخص السوي متعجبا”.

استعراض تجربة

واستعرضت مريم بنت علي الشرجية – طالبة في جامعة السلطان قابوس- تجربتها فقالت” من واقع التجربة ومن خلال ما أعايشه، فالإعاقة ليست عائقا في حد ذاتها، فلا أنكر ان الإعاقة لا تمكننا من فعل أشياء معينة ولكنها في المقابل تمكننا من فعل أشياء أخرى بطرق مختلفة، وإنما العائق الحقيقي هو عدم إتاحة الفرص والمواد والموارد والأماكن بالطرق المناسبة لنا”.

وأضافت الشرجية” فقدت بصري منذ عدة سنوات بشكل تام ولم أجد أي دعم نفسي وحتى الآن لم تمد لي يد المساندة حتى أتمكن من تخطي آثار الصدمة، وأبرز التحديات التي واجهتها هي أن البعض يرغب في أن نكون نسخا مكررة لآخرين في الرغبات والاختيارات والميول، فعندما كنت في مقاعد الثانوية رفضنا أنا وزميلاتي قبول المواد الاختيارية المتاحة لنا والمكررة دائما من قبل زملائنا السابقين وحين اخترنا مادة الموسيقى، حدثت بلبلة كبيرة لن ادخل بتفاصيلها ولكن يمكنني القول إن حقي في الحصول على كتاب كباقي الطلاب يناسب وضعي قد سلب، واصبحنا نبحث عن الملخصات ونعيد صياغتها كي تناسبنا وكتبنا خلف المعلمة وهي تشرح الدرس وبحمد من الله تمكننا من جمع منهج لبقية زملاء الدراسة الذين اختاروا أخذ ذات المسار وحصدنا ثمارنا بالدرجات المشرفة ولكن هل اهتم احد بالتعب والضغط الذي مررنا به ؟ بالطبع لا!”

واستكملت مريم حديثها وقالت” حينما قبلنا على مقاعد الدراسة في جامعة السلطان قابوس وعبّرنا عن رغبتنا بشكل واضح وصريح أننا لا نرغب في دخول كلية الآداب والعلوم الاجتماعية ورغبتنا الملحة في دخول كلية الحقوق قيل لنا إن التجربة تتحمل النجاح والفشل وانه بعد عامين سيتم فتح أبواب التسجيل لبقية الطلبة، ولكن تم إغلاقها حتى نتخرج نحن، لا أستطيع الدخول في تفاصيل كثيرة هنا ما يمكنني قوله إننا تمكننا من الاستمرار في كلية الحقوق رغم كل شيء.

وأوجه نصيحة لبقية المكفوفين” نحن نعيش اليوم عالما تقنيا، والتقنية بالنسبة لنا هي أعيننا الأخرى، فاحرصوا على تعلمها والنهل من بحورها مما يعينكم على المضي قدما في الحياة ولا يعني ذلك أن تتخلوا عن طريقة كتابة برايل، ولكن الحياة نسبة وتناسب اغلقوا آذانكم وامضوا بلا توقف جربوا ما تشاؤون وخذوا قراراتكم واستمروا إلى الأمام لتحقيق طموحاتكم”.